ترامب- من منطق المال والأعمال إلى فوضى السياسة؟
المؤلف: طلال صالح بنان10.09.2025

في نهاية المطاف، السياسة هي سعي دائم لتحقيق أفضل المكاسب والشروط الممكنة من خلال مفاوضات أو صراعات بين أطراف تحكمها موازين القوى، قد لا تكون متكافئة أو متوازنة بالضرورة. أما "البزنس"، فهو أيضاً عبارة عن علاقة قوة بين طرفين أو أكثر، تحكمها الرغبة في تعظيم عائدات استثمار رأس المال، أو على الأقل، تقليل المخاطر المحتملة للاستثمار، مع الأخذ في الاعتبار الخيارات المتاحة في السوق، مع الحفاظ على مواقع استراتيجية تتيح الانسحاب من السوق بأقل الخسائر المتوقعة عند الضرورة.
كلا المجالين، سواء الاستثمار في الموارد المادية أو ممارسة السياسة، ينطويان على احتمالية الربح أو الخسارة، بالإضافة إلى احتمال ثالث وهو تعليق الصراع مؤقتًا لاستئنافه في جولة قادمة، ما لم يتم التوصل إلى اتفاق يرضي الحد الأدنى من متطلبات كل طرف. ومع ذلك، يكمن الفرق الجوهري في أن السياسة لا تتعامل فقط مع موارد مادية قابلة للقياس الكمي وحصرها في مصالح خاصة، بل تتعلق بعوائد استراتيجية ذات أبعاد سيادية، تتصل بالسلطة والنفوذ، وهي أمور يصعب تقييمها بدقة أو المساومة عليها، كما لا يمكن تعويض خسائرها بسهولة. باختصار، الصراع داخل السوق في عالم المال والأعمال يختلف جوهرياً عن الصراع على السلطة في عالم السياسة، رغم أن الأخير قد يكون أكثر حدة وضراوة.
في الديمقراطيات الغربية، تعتبر السياسة مهنة احترافية يمتهنها الساسة، على الرغم من أن المجال السياسي مفتوح للجميع. ومع ذلك، فإن العمل السياسي الفعلي غالباً ما يقتصر على المحترفين والمؤسسات غير الرسمية التابعة للنظام السياسي، مثل الأحزاب السياسية وجماعات الضغط والمصالح، التي تقوم بتأهيل وتجنيد الأفراد للعمل السياسي. ففي أوروبا، يبدأ الاهتمام بالسياسة في مراحل مبكرة من حياة الأفراد.
في المقابل، في الولايات المتحدة، لا يشترط بالضرورة امتلاك خبرة سياسية أو ثقافة سياسية، أو حتى أيديولوجية سياسية. ففي كثير من الأحيان، تستقطب الأحزاب السياسية شخصيات من خارج عالم السياسة، وتدفع بهم إلى المنافسة على المناصب العليا. على سبيل المثال، كان دوايت أيزنهاور (1890-1969) جنرالاً عسكرياً مرموقاً، استقطبه الحزب الجمهوري نظراً لشعبيته الجارفة كقائد لقوات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، على الرغم من عدم امتلاكه خلفية سياسية. وعلى النقيض من ذلك، لم يقدم الجنرال برنارد مونتجمري (1887–1976) على دخول عالم السياسة في بريطانيا. وحتى ونستون تشرشل، الذي قاد بريطانيا إلى النصر في الحرب العالمية الثانية، لم يسمح له الشعب البريطاني بالبقاء في قيادة البلاد بعد الحرب، إدراكاً منه بأن من قاد البلاد في زمن الحرب ليس بالضرورة الأقدر على حل مشاكلها في زمن السلم.
الرئيس ترامب، الذي لم يسبق له العمل في السياسة، جاء من عالم المال والأعمال، بل وصل مباشرة إلى أعلى منصب في الدولة (رئاسة الجمهورية)، مصمماً على إحداث تغيير جذري في مؤسسات النظام السياسي الرسمية، بما في ذلك الدستور، بحجة إصلاح النظام السياسي. فمجيء الرئيس دونالد ترامب من خارج عالم السياسة في واشنطن لم يكن بهدف إصلاحه فحسب، بل لإعادة بنائه من جديد، وفقاً لثقافة ومنهج عالم الأعمال الذي أتى منه.
يمثل الرئيس ترامب ثقافة وخبرة "البزنس"، وليس عالم السياسة، الذي تحكمه قيمة الخدمة العامة، وليس بالضرورة قيمة الربح المجرد (الرأسمالية). فالمشكلة الاقتصادية تختلف عن المشكلة السياسية. الأولى تهتم بإدارة موارد المجتمع وفقاً لمعايير هيمنة رأس المال، بينما الثانية تهتم برفاهية وحرية واستقرار المجتمع، وفقاً لقيم الحرية والمساواة. وعلى الرغم من وصول الرئيس ترامب إلى أعلى منصب سياسي في الولايات المتحدة، إلا أنه لم ينسَ للحظة أنه رجل أعمال يبحث عن الربح بأي وسيلة وبأي ثمن. ففي أزمة غزة، صرح مرة بأن أمريكا سوف تحتل القطاع، مما أثار غضب إسرائيل، ثم عاد ليقول إنه يسعى لشراء القطاع.
هنا، يطمس ترامب أي فواصل بين ملكية الدولة وملكيته الخاصة. فهو يتحدث عن صب الجحيم على غزة كحل جذري للمسألة، ويرى أن هذا يصب في مصلحة واشنطن والغرب. وتارة أخرى يجادل بحل يتمثل في إفراغ غزة من أهلها وتحويل القطاع إلى ريفيرا شرق أوسطية! مرة يحرض إسرائيل على أهل غزة، وتارة أخرى ينتظر من العرب بديلاً للتعامل مع القطاع بعد الحرب، غير ذلك الذي يقترحه، وكأنه يقذف بالكرة في ملعب العرب، بعد أن حدد قواعد اللعبة وتبعاتها وحصرها بعيداً عن ملعبها.
في عمليات التفاوض، يبدأ الرئيس ترامب بسقف عالٍ جداً، على أمل أن يقبل خصمه بالسقف الذي يريده هو، ولا يتورع عن استخدام التهديد في سبيل ذلك. قد يكون هذا النهج مقبولاً في عالم "البزنس"، إلا أنه لا يجدي نفعاً في عالم السياسة. ففي السياسة، قد تتمثل نتيجة التفاوض في احترام الحدود الدنيا من مطالب الأطراف المتفاوضة، دون إلحاق هزيمة مباشرة بأي طرف. أما في عالم "البزنس"، فيمكن تصور أن تكون اللعبة صفرية: رابح واحد وخاسر واحد.
تكمن مشكلة الرئيس ترامب في أنه جاء من خارج بيئة العمل السياسي ليطبق عليها قيم ونهج عالم المال والأعمال، متغافلاً عن حقيقة أن عالم السياسة يختلف جوهرياً عن عالم المال والأعمال، وما يصلح لأحدهما قد لا يصلح للآخر.
كلا المجالين، سواء الاستثمار في الموارد المادية أو ممارسة السياسة، ينطويان على احتمالية الربح أو الخسارة، بالإضافة إلى احتمال ثالث وهو تعليق الصراع مؤقتًا لاستئنافه في جولة قادمة، ما لم يتم التوصل إلى اتفاق يرضي الحد الأدنى من متطلبات كل طرف. ومع ذلك، يكمن الفرق الجوهري في أن السياسة لا تتعامل فقط مع موارد مادية قابلة للقياس الكمي وحصرها في مصالح خاصة، بل تتعلق بعوائد استراتيجية ذات أبعاد سيادية، تتصل بالسلطة والنفوذ، وهي أمور يصعب تقييمها بدقة أو المساومة عليها، كما لا يمكن تعويض خسائرها بسهولة. باختصار، الصراع داخل السوق في عالم المال والأعمال يختلف جوهرياً عن الصراع على السلطة في عالم السياسة، رغم أن الأخير قد يكون أكثر حدة وضراوة.
في الديمقراطيات الغربية، تعتبر السياسة مهنة احترافية يمتهنها الساسة، على الرغم من أن المجال السياسي مفتوح للجميع. ومع ذلك، فإن العمل السياسي الفعلي غالباً ما يقتصر على المحترفين والمؤسسات غير الرسمية التابعة للنظام السياسي، مثل الأحزاب السياسية وجماعات الضغط والمصالح، التي تقوم بتأهيل وتجنيد الأفراد للعمل السياسي. ففي أوروبا، يبدأ الاهتمام بالسياسة في مراحل مبكرة من حياة الأفراد.
في المقابل، في الولايات المتحدة، لا يشترط بالضرورة امتلاك خبرة سياسية أو ثقافة سياسية، أو حتى أيديولوجية سياسية. ففي كثير من الأحيان، تستقطب الأحزاب السياسية شخصيات من خارج عالم السياسة، وتدفع بهم إلى المنافسة على المناصب العليا. على سبيل المثال، كان دوايت أيزنهاور (1890-1969) جنرالاً عسكرياً مرموقاً، استقطبه الحزب الجمهوري نظراً لشعبيته الجارفة كقائد لقوات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، على الرغم من عدم امتلاكه خلفية سياسية. وعلى النقيض من ذلك، لم يقدم الجنرال برنارد مونتجمري (1887–1976) على دخول عالم السياسة في بريطانيا. وحتى ونستون تشرشل، الذي قاد بريطانيا إلى النصر في الحرب العالمية الثانية، لم يسمح له الشعب البريطاني بالبقاء في قيادة البلاد بعد الحرب، إدراكاً منه بأن من قاد البلاد في زمن الحرب ليس بالضرورة الأقدر على حل مشاكلها في زمن السلم.
الرئيس ترامب، الذي لم يسبق له العمل في السياسة، جاء من عالم المال والأعمال، بل وصل مباشرة إلى أعلى منصب في الدولة (رئاسة الجمهورية)، مصمماً على إحداث تغيير جذري في مؤسسات النظام السياسي الرسمية، بما في ذلك الدستور، بحجة إصلاح النظام السياسي. فمجيء الرئيس دونالد ترامب من خارج عالم السياسة في واشنطن لم يكن بهدف إصلاحه فحسب، بل لإعادة بنائه من جديد، وفقاً لثقافة ومنهج عالم الأعمال الذي أتى منه.
يمثل الرئيس ترامب ثقافة وخبرة "البزنس"، وليس عالم السياسة، الذي تحكمه قيمة الخدمة العامة، وليس بالضرورة قيمة الربح المجرد (الرأسمالية). فالمشكلة الاقتصادية تختلف عن المشكلة السياسية. الأولى تهتم بإدارة موارد المجتمع وفقاً لمعايير هيمنة رأس المال، بينما الثانية تهتم برفاهية وحرية واستقرار المجتمع، وفقاً لقيم الحرية والمساواة. وعلى الرغم من وصول الرئيس ترامب إلى أعلى منصب سياسي في الولايات المتحدة، إلا أنه لم ينسَ للحظة أنه رجل أعمال يبحث عن الربح بأي وسيلة وبأي ثمن. ففي أزمة غزة، صرح مرة بأن أمريكا سوف تحتل القطاع، مما أثار غضب إسرائيل، ثم عاد ليقول إنه يسعى لشراء القطاع.
هنا، يطمس ترامب أي فواصل بين ملكية الدولة وملكيته الخاصة. فهو يتحدث عن صب الجحيم على غزة كحل جذري للمسألة، ويرى أن هذا يصب في مصلحة واشنطن والغرب. وتارة أخرى يجادل بحل يتمثل في إفراغ غزة من أهلها وتحويل القطاع إلى ريفيرا شرق أوسطية! مرة يحرض إسرائيل على أهل غزة، وتارة أخرى ينتظر من العرب بديلاً للتعامل مع القطاع بعد الحرب، غير ذلك الذي يقترحه، وكأنه يقذف بالكرة في ملعب العرب، بعد أن حدد قواعد اللعبة وتبعاتها وحصرها بعيداً عن ملعبها.
في عمليات التفاوض، يبدأ الرئيس ترامب بسقف عالٍ جداً، على أمل أن يقبل خصمه بالسقف الذي يريده هو، ولا يتورع عن استخدام التهديد في سبيل ذلك. قد يكون هذا النهج مقبولاً في عالم "البزنس"، إلا أنه لا يجدي نفعاً في عالم السياسة. ففي السياسة، قد تتمثل نتيجة التفاوض في احترام الحدود الدنيا من مطالب الأطراف المتفاوضة، دون إلحاق هزيمة مباشرة بأي طرف. أما في عالم "البزنس"، فيمكن تصور أن تكون اللعبة صفرية: رابح واحد وخاسر واحد.
تكمن مشكلة الرئيس ترامب في أنه جاء من خارج بيئة العمل السياسي ليطبق عليها قيم ونهج عالم المال والأعمال، متغافلاً عن حقيقة أن عالم السياسة يختلف جوهرياً عن عالم المال والأعمال، وما يصلح لأحدهما قد لا يصلح للآخر.